خالد أبو النجا.. صاحب التجربة السينمائية الأهم في جيله

خالد أبو النجا.. صاحب التجربة السينمائية الأهم في جيله

(1) الميلاد

في ليلة شتوية دافئة من شهر نوفمبر عام 1966، استقبل محمد سيف أبو النجا مولوده الصغير «خالد» الذي ظل متعلقاً بوالدته منذ لحظة الميلاد، وكأن الوليد يدرك أن ارتباطه بوالدته سيبقى حتى نهاية عمرها.

كلنا نحب أمهاتنا ولكن القليل فقط يرى من خلال عيني والدته، وكان خالد من هؤلاء.

اختارته كاميرا السينما الأم الثانية في حياته، ليقف أمامها إن صح التعبير وقوف طفل رضيع لم يتخطّ عاماً من عمره في فيلم «الليالي الطويلة» عام 1967، مع محمود مرسي، ونادية لطفي. وبعدها بـ11 عاماً، شارك طفلاً في فيلم «جنون الحب» عام 1977، مع أحمد مظهر، ونجلاء فتحي، وحسين فهمي.

أدركت أمه أنه يحب الكاميرا، وأدرك هو أنها تحبه سعيدا.

(2) المراهقة

في نادي هليوبوليس، وتحديداً في حمام سباحته، قضى الشاب المراهق أغلب فترات يومه في التدريب على لعبة كرة الماء، تلك اللعبة التي يشتهر بها النادي ويعشقها الشاب الصغير، تعلّم جيداً أن المثابرة والتدريب هما الطريق الأضمن للنجاح، أدرك أنه لكي يفوق أقرانه عليه أن يتدرّب كثيراً.
وبالفعل انضم إلى منتخب مصر لكرة الماء، وكان أحد أبرز لاعبيه في نهاية الثمانينيات.
لكن على الفتى أن يغادر مرحلة المراهقة إلى الشباب والجامعة.

(3) القمر الصناعي

تماماً كما كان في رياضته المفضلة، أحبّ دراسته وبذل مجهوداً فيها حتى تخرّج من قسم الاتصالات في كلية الهندسة جامعة عين شمس، بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف، والتحق بعدها بالجامعة الأميركية بالقاهرة، وتحصّل على بكالوريوس في علوم الكمبيوتر، ثم تحصّل على منحة للحصول على الماجستير من جامعة في لندن، وكانت رسالته تصميم قمر صناعي، وكان معه 10 أشخاص من جنسيات مختلفة.

أطلق خالد قمره الذي مازال في الفضاء، ثم قرّر أن يترك كل هذا من أجل أمه الثانية السينما، قرّر أن يكون نجماً لا قمراً؟.

(4) بداية المشوار

كان العمل كموديل فيديو وكليب وعارض أزياء في بدايات التسعينيات، وكذلك التمثيل على مسرح الجامعة، مجرد حفاظ من الشاب على وعد قطعه للكاميرا حين كان عمره 12 عاماً، كان يدرك من البداية أن الكاميرا هي محبوبته الأصلية.

ربما لهذا السبب من الصعب أن تقابل خالد أبو النجا دون كاميرته.

ولهذا كان عليه السفر إلى الولايات المتحدة عام 97، من أجل دراسة الإخراج والسينما، ثم عاد مقدّما للبرامج في التليفزيون المصري ما بين عامي 1999 و2001، عاد إلى الكاميرا، لكنه لم يشعر بالارتياح.

اجتهد كعادته، لكنه كان يشعر أن تلك الكاميرا لا تشبه الأخرى التي قطع لها وعداً منذ ما يزيد عن 20 عاماً.

مشاركة خجولة في منتصف تلك الفترة خلال فيلم «ليه خلتني أحبك» عام 2000، مع منى زكي وأحمد حلمي، جعلته يدرك الفارق وينفّذ القرار الذي اتخذه منذ سنوات طويلة.

(5) ثورة

ممثل يحسده جيله بأكمله، وربما الجيل الذي أتى بعده ومن سيأتي، ممثل واحد عمل مع العمالقة، كـ داوود عبدالسيد في «مواطن ومخبر وحرامي»، ومحمد خان في «بنات وسط البلد»، و«في شقة مصر الجديدة»، ومع جيل الوسط كاملة أبو ذكرى في «ملك وكتابة» و«واحد صفر»، وهاني خليفة في «سهر الليالي».

وخاض كذلك تجارب سينما مستقلة وغير تجارية مثل فيلمي «هليوبوليس» و«ميكروفون» مع المخرج أحمد عبد الله، ثم قدّم فيلماً تجارياً مع السبكي بعنوان «حبيبي نائماً».

ومع جيل الشباب عمل مع آيتن أمين في فيلم «فيلا 69»، بل إنه عمل مع يوسف شاهين في دور صغير(قائد من جيوش الفرنجة) في فيلم المصير.

وعمل كذلك في السينما الفلسطينية في فيلم «عيون الحرامية»، ودور صغير في السينما الإماراتية  في فيلم «من ألف إلى باء».

من الصعب على فنان أن يخوض غمار تجربة بهذا التنوع، دون أن يملك مقوّماتها الثلاثة، الموهبة والمثابرة والقدرة على التطور، وهو ما يبدو واضحاً في تطور أداء خالد أبو النجا ما بين فيلمي «راندفو» و«مواطن ومخبر وحرامي» عام 2001، ثم «واحد صفر» عام 2008، وأخيراً «فيلا 69» عام 2013، و«عيون الحرامية» عام 2014.

دائماً في حالة ثورة، من الرياضة إلى الهندسة إلى السينما، وحتى عندما استقر به الحال نجماً سينمائياً، ثار على نفسه المرة بعد المرة ليقدّم الجديد بعد الآخر.

ربما لا يكون أكثر جيله موهبة، لكنه صار أفضلهم، وذلك هو سر خالد المفضل.

(6) ملحوظة

الشخص الذي يعمل على تطوير نفسه طوال الوقت، والفنان الذي يدرك دائماً أن لديه نواحي نقص عليها أن تكتمل، والإنسان المهتم بالحرية والفقر والتعليم والمساواة، لا يحمل داخله سوى عدة أحلام، وقدرة لا نهائية على قبول الآخر، وهذا ما يفعله خالد على الصعيدين الاجتماعي والفني.

عشاق التغيير ودعاة المستقبل لا يملكون إلا تلك الروح المقاتلة التي لدى المقاتلين، الذين لا تهزمهم هجمات الخائفين، وهذا هو خالد أبو النجا على الصعيد السياسي والإنساني.

ربما لايزال ذلك الطفل الذي وقف أمام الكاميرا رضيعاً منذ 47 عاماً، حياً في روح خالد، وربما يبتسم كثيراً على كل سفاهة ما يصنعه الكبار.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة