5 قصص مع فايزة أحمد في ذكرى رحيلها

5 قصص مع فايزة أحمد في ذكرى رحيلها

كتبه/ شريف حسن

فايزة أحمد صوتها كالكريستال المكسور، هكذا قال عنها محمد عبد الوهاب، وقالت كوكب الشرق عن صوتها: “هو الصوت النسائي الوحيد الذي أطرب له وأسمعه بنشوة”، وهي من قال عنها رياض السنباطي “أحلى من ينطق حرف “الحاء” في العالم”، هي كروان الشرق كما أطلق عليها كامل الشناوي، فايزة أحمد بنت بلدة “صيدا” في لبنان من أب سوري وأم لبنانية.
فايزة بالعراقي
كان البداية على يد الملحن الفلسطيني رياض البندك، وموشح “امسحوا عن ناظري كحل السهاد”، وغيره من الموشحات، ثم كان الغناء باللهجة العراقية على يد الملحن رضا علي، وغنت عدة أغاني من أشهرها “شبيك يا قلبي”، “خي لا تدك الباب”، “ما يكفي دمع العين”، وأكثر الأغاني التي وضحت الصوت القادم من لبنان وسوريا إلى العراق والمنطلق في سماء الوطن العربي لتصبح من أهم المطربات في تاريخ الغناء العربي، كانت أغنية “الحب يلعب بكيفه” كلمات “سيف الدين ولائي” ولحن “رضا
علي”.

فايزة بين الموجي وفوزي
في مصر كانت البداية مع كمال الطويل وأغنية “ياما قلبي قالي لأ” وأغنية “النار القايدة”، ثم محمود الشريف وأغنية ” قول يا عذول” ومع بليغ حمدي “ماتحبنيش بالشكل دة”، حتى جاء من اكتشف خبايا صوت فايزة، محمد الموجي الذي لحن لها أهم أغانيها مثل “غلطة واحدة، حبيبي واحشني، حيران، يامه القمر ع الباب، قلبي عليك يا خي، تمر حنة”.

في فيلم “ليلى بنت الشاطئ” 1959، بطولة محمد فوزي وفايزة أحمد، لحن لها فوزي دويتو “نبع الهنا” و”توبة”، وفي الفيلم كانت أغنية “ليه يا قلبي ليه” من كلمات مرسى جميل عزيز، يحكى أن فايزة طلبت من الموجي تلحين الأغنية، صوت فايزة كان يحب ألحان الموجي، والعكس أيضًا، الموجي يجد في صوت فايزة كل هذا التنوع والاختلاف بين البهجة والشجن الساكنة في معظم ألحانه، ولكن اعتذر الموجي معللًا ذلك؛ كيف الحن وفوزي موجود؟، وبعد إصرار فايزة، وافق على شرط، أن تستأذن من فوزي، وافق فوزي وقال إنها فرصة عظيمة ليستمع فيها لعود الموجي العظيم، فكان المشهد إن فايزة أحمد تغني لفوزي في الفيلم من ألحان الموجي، ولحن لها
الموجي أيضًا في الفيلم أغنية “يا الأسمراني”.

عبد الوهاب يشتم والأنثى الشامية ترد

” اقولك دول فتونا .. فاتونا .. تقولي دا كلام واقولك نهجر .. تقولي لأ .. لأ.. لأ حرام “، صوت فايزة وهو يغني كلام حسين السيد عبر عود محمد عبد الوهاب، صوت فايزة صوت تفشل في تصنيفه، وهذا ما يميزه، لا تستطيع تميز الخط الفاصل بين الفرح والشجن، تخلط الماء بالزيت، وتكمل في طريقها وكأنها لم تفعل شيء، تتسرب داخلك لتشعل ثورة الروح على الجسد، جسدًا كروح محبطة وروحًا كجسد اُشعلت النار فيه.

يحكي عمار الشريعي عن موقف حدث بين فايزة وعبد الوهاب، حضره عندما كان عازف “أورج” في فرقة الدكتور سامي نصير، وتم اختيار الفرقة لعمل أغنية وقدرت تهجر كلمات حسين السيد ولحن محمد عبد الوهاب، لأن فايزة كانت على خلافات مع الفرقة الماسية، وبعد 35 يوم بروفات مع عبد الوهاب، وفي يوم تسجيل الأغنية، وكان وقتها تسجيل الأغنية مرة واحدة، وأي خطأ يستوجب الرجوع من البداية، وبدأ التسجيل والمقدمة الموسيقية ومع دخول فايزة قالت وقُدرت تهجر، وكأنها تغني باللهجة السورية، وقام عبد الوهاب بوقف التسجيل وتنبيها، وتأسفت وتم الإعادة واستمرت فايزة في الخطأ واستمر عبد الوهاب في التصحيح واستمرت هي في الأسف لست مرات، حتى قفد عبد الوهاب صبره وقال يا بنت …. وقال لفظ خارج، ربما كانت المرة الوحيدة الذي يفقد عبد الوهاب وقاره أمام العاملين معه بهذا الشكل، وضحك الجميع ثم حل الصمت الأستوديو، حتى حضرت روح الأنثى الشامية في فايزة وضحكت بصوت عال، وقالت بكل خفة دم: “شوفتوا شو يحبني، شوفتوا.. بيعاملني مثل
أخته”، ويكمل عمار الحكاية إن التسجيل ألغي يومها، وعادت فايزة وتصالحت مع الفرقة الماسية، وضاع في الهواء 35 يوم بروفات.

كروان الشرق والعندليب
خلافات كثيرة عاشتها فايزة، مع مطربين وملحنين، ومنهم خلافاتها مع الفنانة وردة، والتي انتهت بالصلح بينهم، ولكن كان الخلاف الشخصي والفني في المقام الأول بينها وبين عبد الحليم حافظ، فبعد نجاح أغنية “أسمر يا أسمراني” في فيلم الوسادة الخالية 1957، كلمات إسماعيل الحبروك، ولحن كمال الطويل، قرر عبد الحليم تسجيل الأغنية بصوته، كعادته عند نجاح أغنية، كما فعل مع محمد قنديل في أغنية “يا رايحين الغورية”.

وينسب لفايزة أغنية ساخرة تحت اسم “هاتولي وابور الحريقة” كسخرية من أغنية “قولوله الحقيقة” لعبد الحليم حافظ، ولكن الأغنية لمطربة مهجولة اسمها عفاف عطية وهي من كلمات فتحي قورة ولحن بليغ حمدي، أو بمعنى أصح إعادة توزيع ، لأن اللحن الأصلي لكمال الطويل، وهي في فيلم “أبو عيون جريئة” 1958.

وبعد أكثر من 20 عام من هذه الأحداث، تغني فايزة أغنية “أحلى طريق” كلمات محمد حمزة، وألحان زوجها وحبيبها محمد سلطان، وهي الأغنية التي طلب عبد الحليم حافظ من محمد سلطان أن يلحنها له ولكن القدر لم يمهله وقت ليغنيها، وغنتها فايزة بعد سنتان من رحيل عبد الحليم حافظ.

أغنية الرحيل ” الأغنية التي قتلت أصاحبها”
ورغم عدم حبي لأغاني فايزة الطويلة، وربما أرى أن الأغاني الطويلة ظلمت وقللت من نجاح فايزة على المستوى الجماهيري قبل المستوى الفني، وربما أيضا ضاع صوتها كثيرا وسط ملحن متواضع المستوى والموهبة مثل محمد سلطان، ولكن لا أحد ينكر قيمة فايزة في تاريخ الغناء العربي.

لحن السنباطي عدة أغاني لفايزة، من القصائد للعاطفي للوطني، وكتب لها حسين السيد عدة أغاني ناجحة جدًا وعلامات في تاريخها، وكانت أغنية “لا يا روح قلبي” الذي مات السنباطي قبل أن يكمل لحنها، وأكلمه ابنه أحمد، والذي كان متزوج من بنت فايزة “فريال النعامى”، ومات حسين السيد قبل أن تسجلها فايزة، وعادت فايزة أحمد من رحلة علاجية، لتقرر أن تسجل الأغنية، وهي ممددة على كرسيين وتحتضن الممرضة مع مواصلة حقن المسكن، ورفضها التام للنصائح بعدم اجهاد نفسها أو
عدم الغناء، ورحلت فايزة بعد تسجيل الأغنية بعدة أيام، لتكن الأغنية هي الأغنية التي قتلت أصاحبها.

رحلت فايزة، رحلت الحيرة والتخبط الكامنان في صوتها، رحلت وهي تعلم إنها أقل جمالًا من منافسيها، وإنها صاحبة الشعر المنكوش نحيفة القوام، وإنها صريحة حد السيف، ولا تعرف أن تجامل، رحلت وهي تهتم بالمنافسة، رحلت دون أن أقول لها، أن صوتها عند صرخة الميلاد سرق كل أنوثتها واحتفظ بها لنفسه، صوت فايزة هو صوت النسائي الأمثل فهي التخبط والشيء ونقيضه، فهي الضعيفة القوية، السعيدة بكل ما فيها من شجن، ربما أقل ما نقدمه لها في ذكراها هي هذه الكلمات وهذا الرقص الجميل والمبهج من نعيمة عاكف في فيلم “تمر حنة”، ونقول لها:
“يا تمر حنة كايده الأزهار
الفل البلدي منك غيّار
والياسمين الأبيض بايت محتار
والورد الأحمر قادت فيه النار
والنرجس يا ختي باعت إنذار”

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة